طرق التعلم الحديثة للذكاء الاصطناعي
لطالما كان الذكاء الاصطناعي يعتمد على كميات هائلة من البيانات المصنفة، وهو ما يعرف بـ (التعلم الخاضع للاشراف) و الطرق التقليدية الأخرى، لكن هذه الطرق التقليدية لم تعد كافية لمواكبة التحديات المعاصرة و التطور السريع، فبرزت تقنيات ثورية مثل التعلم عبر اللقطات القليلة واللقطة الواحدة والتعلم الصفري، التي أصبحت هي القوة الدافعة وراء الكثير من الإنجازات التي نراها اليوم، من النماذج اللغوية الكبيرة الى نماذج توليد الصور الفنية إلى الأنظمة الأمنية المتطورة وغيرها من التطبيقات الحديثة، وقد أثبتت هذه الطرق الحديثة للتعلم فعاليتها في جعل الذكاء الاصطناعي أكثر مرونة وكفاءة، وفتحت آفاقا جديدة لتطبيقات لم تكن ممكنة و قابلة للتنفيذ من قبل .
أهم طرق التعلم الحديثة للذكاء الاصطناعي
التعلم عبر اللقطات القليلة
(Few-shot Learning)
التعلم عبر اللقطات القليلة هو القدرة على تدريب نموذج ذكاء اصطناعي على التعرف على فئة جديدة من عدد محدود جدا من الأمثلة، غالبا ما يتراوح بين 3 إلى 10 أمثلة، هذا النهج يقلد طريقة تعلم البشر، حيث لا نحتاج إلى رؤية آلاف الصور للسيارة حتى نتعرف على نموذج جديد منها، هذا النموذج يتعلم التعميم من خلال تمييز الأنماط الأساسية، وليس حفظ التفاصيل، ويستخدم هذا النوع من التعلم بشكل واسع في الصناعة حيث يكون جمع البيانات بكميات كبيرة أمرا صعبا أو مكلفا، على سبيل المثال: يمكن لشركات التصنيع استخدام هذه التقنية لتدريب النماذج على التعرف على عيوب جديدة في خطوط الإنتاج بمجرد توفير بضع صور للعيوب، مما يوفر وقتا هائلا، و ساهمت هذه التقنية في تطبيقات حيوية في المجالات الطبية، حيث تساعد في تشخيص الأمراض النادرة التي لا تتوفر لها سوى بيانات محدودة.
التعلم عبر لقطة واحدة
(One-shot Learning)
يعد التعلم عبر لقطة واحدة مرحلة متقدمة من التعلم عبر اللقطات القليلة، حيث يكتفي النموذج بمثال واحد فقط لكل فئة جديدة ليتعلم التعرف عليها، هذا النهج لا يركز على حفظ المثال، بل على فهم الخصائص الأساسية التي تميزه عن غيره، يمكن للنموذج بعد ذلك استخدام هذا الفهم لمقارنة أي مدخل جديد بالمثال الوحيد الذي رآه، وتحديد ما إذا كانا يتبعان نفس الفئة، و تطبق هذه التقنية بشكل واسع في أنظمة التعرف على الوجه، حيث يكفي تسجيل وجه الشخص بصورة واحدة لتمكين النظام من التعرف عليه في المستقبل، كما تستخدم في تطبيقات الأمن البيومتري والتحقق من التوقيعات في القطاع المصرفي، مما يسمح بالتعرف الفوري على الهوية من خلال مثال واحد فقط .
التعلم الصفري
(Zero-shot Learning)
ميزة الذكاء الاصطناعي أنه عندما يتعلم بطريقة معينة فانه يستفيد منها للتعلم بطريقة اخرى اكثر تطورا، هو استفاد من التعلم باللقطات المتعددة في التعلم من اللقطة الواحدة، و استفاد أيضا من كليهما في التعلم الصفري، و الذي يمثل نقلة نوعية في الذكاء الاصطناعي، حيث يسمح للنموذج بالتعرف على فئة لم يرها مطلقا من قبل، يعتمد هذا النهج على الفهم اللغوي والوصفي بدلا من البيانات المرئية، يتم تزويد النموذج بخصائص الفئة الجديدة، على سبيل المثال: (حيوان مخطط باللونين الأبيض والأسود)، ومن خلال فهمه لهذه الخصائص، يمكنه التعرف على (الحمار الوحشي) حتى وإن لم ير أي صورة له أثناء التدريب، هذا النوع من التعلم هو الذي يقف وراء نماذج توليد الصور الشهيرة مثل DALL-E و Midjourney، والتي يمكنها توليد صور مركبة من مفاهيم لم يسبق لها رؤيتها مجتمعة، مثل (قط آلي يعزف على الجيتار)، كما أن هذا النوع من التعلم يعتبر أساسيا في عمل النماذج اللغوية الكبيرة مثل GPT أو Gemini، التي تستطيع الإجابة على أسئلة حول مواضيع لم تدرب عليها بشكل مباشر، لأنها فهمت العلاقات بين المفاهيم المختلفة من خلال اللغة.
الذكاء يتعلم من الذكاء
إن بناء نموذج ذكاء اصطناعي من الصفر لكل مهمة هو جهد مكلف وغير فعال، لذلك توجه العلماء والباحثون إلى استلهام طرق جديدة التعلم لدى البشر والحيوانات، هذه الطرق لا تبدأ من الفراغ، بل تبني على ما تم تعلمه سابقا، لقد أثبتت أساليب مثل التعلم النقلي و التعلم الذاتي و التعلم متعدد المهام أنها أساس متين لبناء الأنظمة الذكية الحديثة، هذه الأساليب تمنح النماذج القدرة على التعلم بكفاءة عالية، ومشاركة المعرفة فيما بينها، مما يجعلها أقوى وأكثر ذكاء .
التعلم النقلي
(Transfer Learning)
هذا النوع من التعلم يقوم على التعلم من أساليب سابقة، فيما يشبه تعلم عزف الجيتار من خلال تعلم عزف البيانو سابقا، أما في مجال الذكاء الاصطناعي فيتم تدريب نموذج على مهمة عامة جدا (مثل تصنيف ملايين الصور)، ثم يتم نقل المعرفة المكتسبة من هذا النموذج إلى مهمة جديدة ومختلفة (مثل التعرف على نوع محدد من السيارات)، هذه العملية توفر وقتا وجهدا كبيرا، وتقلل بشكل حاسم من الحاجة إلى جمع كميات هائلة من البيانات للمهمة الجديدة، لقد أصبح التعلم النقلي طريقة قياسية في العديد من تطبيقات الرؤية الحاسوبية ومعالجة اللغة الطبيعية، لأنه يسمح بتحقيق نتائج ممتازة حتى مع مجموعات بيانات صغيرة
التعلم الذاتي
(Self-supervised Learning)
التعلم الذاتي هو ثورة حقيقية في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث يتعلم النموذج من البيانات نفسها دون الحاجة إلى أي إشراف بشري أو تسميات يدوية، ببساطة يقوم النموذج بإنشاء مهمة مساعدة خاصة به من البيانات الموجودة، ثم يتعلم كيفية حلها، على سبيل المثال، يمكن لنموذج أن يتعلم التنبؤ بالكلمة التالية في جملة ما، أو أن يملأ الأجزاء المفقودة من صورة ما، و من خلال حل هذه المهام يكتسب النموذج فهما عميقا للبيانات وهيكلها، هذا الفهم يشكل أساسا صلبا يمكن استخدامه لاحقا في مهام أخرى محددة، مثل تصنيف الصور أو فهم المشاعر في النصوص، لقد أصبح التعلم الذاتي هو المنهج المفضل لتدريب النماذج اللغوية الكبيرة ونماذج توليد الصو، مما يمنحها قدرة فائقة على التعميم وفهم السياق .
التعلم متعدد المهام
(Multi-task Learning)
في التعلم متعدد المهام يتم تدريب نموذج واحد مشترك على عدة مهام مرتبطة في نفس الوقت، هذا يسمح للنموذج بالاستفادة من المعلومات المشتركة بين المهام المختلفة، مما يحسن من أداء النموذج بشكل عام، على سبيل المثال : يمكن لنموذج أن يتعلم تحليل المشاعر في نص (هل النص إيجابي أم سلبي؟) وفي نفس الوقت يتعلم التعرف على كيانات معينة في نفس النص (مثل أسماء الأشخاص والأماكن)، هذا النهج يجعل النموذج أكثر كفاءة وقوة ويساعده على التعميم بشكل أفضل .
أهم خصائص و مميزات طرق التعلم الحديثة
مع القدرات الكبيرة التي تتمتع بها طرق التعلم التقليدية ممثلة بالتعلم الخاضع للإشراف، إلا أن هذه القدرة تتطلب إمكانيات بشرية ومادية كبيرة ووقت طويل لمعالجة البيانات ذات الكميات الهائلة التي يغذى بها النظام في عملية التدريب، و هذا ما دعا العلماء الى ابتكار أساليب جديدة للتعلم منها التعلم عبر اللقطات القليلة الذي يتمتع بميزات و خصائص كبيرة و هامة بالمقارنة مع طرق التعلم التقليدية نذكر منها بعض الخصائص مع الإشارة إلى أن تعميم هذه الخصائص على جميع طرق التعلم الحديثة ليس دقيقا، بحيث تتفاوت نسبة الاستفادة منها أو من بعضها بحسب طريقة التعلم أو المهمة، و لكن ما يمكن تعميمه بشكل مؤكد هو ما أشرنا إليه سابقا (الوقت و الجهد و التكلفة)
كمية البيانات المطلوبة
طرق التعلم التقليدية: تعتمد على آلاف أو ملايين الأمثلة المصنفة لكل فئة، لأن النموذج يحتاج لحفظ الأنماط وتعميمها من كمية كبيرة من البيانات.
طرق التعلم الحديثة: تحتاج فقط بضع أمثلة لكل فئة جديدة (3-10 أمثلة عادة)، لأنها تركز على استخراج الأنماط الأساسية والتعميم منها، وليس حفظ كل التفاصيل.
الجهد البشري
طرق التعلم التقليدية: تتطلب تصنيفا يدويا دقيقا لكل مثال، وهو مكلف جدا خاصة في المجالات الطبية أو الصناعية أو البيانات النادرة.
طرق التعلم الحديثة: تقلل الحاجة لتصنيف واسع، لأن النموذج يستفيد مما تعلمه سابقا ويطبق المعرفة على الفئة الجديدة
الوقت اللازم للتدريب
طرق التعلم التقليدية: التدريب طويل ويستهلك موارد كبيرة (حوسبة ووقت)، خصوصا إذا كان حجم البيانات ضخما.
طرق التعلم الحديثة: النموذج يمكنه التكيف بسرعة مع الفئة الجديدة بعد عدد قليل من الأمثلة، ما يوفر وقتًا هائلًا.
القدرة على التعميم
طرق التعلم التقليدية: جيدة عندما تكون جميع الفئات معروفة أثناء التدريب، لكن ضعيفة أمام فئات جديدة لم يرها النموذج.
طرق التعلم الحديثة: أقوى في التكيف مع فئات جديدة أو مهام غير مألوفة، لأنه يتعلم كيفية التعرف على الأنماط وليس مجرد حفظ الأمثلة.
التكلفة
طرق التعلم التقليدية: تكلفة عالية بسبب كمية البيانات والتسميات المطلوبة.
طرق التعلم الحديثة: تكلفة منخفضة نسبيا لأنه يحتاج بيانات أقل ويقلل الحاجة لتدخل بشري مستمر.

تعليقات
إرسال تعليق