حقيقة المشاعر لدى الذكاء الاصطناعي
كثيراً ما نقرأ أو نسمع عن (قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة المشاعر الإنسانية)، وغالباً ما تأتي هذه العبارة على إطلاقها دون تحديد لأبعاد هذه القدرة وأنماط المشاعر التي يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاتها. ويتطلب فهم هذه الأبعاد والحدود فهماً لعوامل وأسباب تميز الإنسان عن غيره من الكائنات في هذا الجانب، كما يتطلب أيضاً تحليلاً تقنياً لآليات عمل الذكاء الاصطناعي، وبالتالي تحديد أنواع المشاعر التي يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاة آثارها.
أولاً: المشاعر الإنسانية حالة متميزة
في عام 2012، وقَّع مجموعة من كبار العلماء على إعلان كامبريدج للوعي (Cambridge Declaration on Consciousness)، الذي أكد أن البشر ليسوا الوحيدين الذين يمتلكون الركائز العصبية التي تنتج الوعي، وأشار الإعلان إلى الثدييات والطيور واللافقاريات على أنها كائنات تتمتع بالشعور الذي تختلف طبيعته من كائن إلى آخر. فيما يشكل الإنسان في هذا الجانب حالة متميزة عن الكائنات المستشعرة (Sentient Beings) الأخرى لاعتبارات متعددة:
المشاعر الثانوية والمعقدة
الوعي الذاتي المعقد والنظرية العقلية
حيث يتجاوز الوعي الإنساني مجرد إدراك الذات إلى ما يسمى الوعي الذاتي التأملي الذي يمنح الإنسان القدرة على: التفكير في المشاعر مثل الشعور بالقلق تجاه غضب الآخر، بالإضافة إلى القدرة على استنتاج وفهم الحالات العقلية (المشاعر، الأفكار، النوايا) لدى الآخرين، مما يشكل أساساً للتعقيد الاجتماعي الذي يميز الإنسان عن غيره.
الوعي الزمني وتأثيره
الإدراك الأخلاقي والمفاهيم المجردة
ترتبط المشاعر الإنسانية بقوة بالمفاهيم المجردة والقيم الأخلاقية. فالإنسان قد يختبر مشاعر شديدة (كالغضب أو الاستياء) نتيجة لما يراه ظلماً أو انتهاكاً لمبدأ، حتى لو لم يؤثر هذا الظلم عليه شخصياً. هذا الارتباط بين العاطفة والإدراك الأخلاقي هو ما يضع المشاعر الإنسانية في سياق فلسفي وقيمي أوسع.
ويتضح لنا بالتالي أن هذه المشاعر مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالوعي والفهم والإدراك لدى الإنسان، فيما يرد أحياناً في سياقات مختلفة ذكر عبارات مثل (فهم النظام) أو (أدرك النظام) والمقصود بالنظام هو الذكاء الاصطناعي، وهذه العبارات ما هي إلا تشبيه مجازي غير حقيقي، فكيف (يفهم) الذكاء الاصطناعي أسماء الأشياء والعلاقات الترابطية بينها؟
ثانياً: الفهم والإدراك الرقمي عند الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي لا يعرف حقيقة نفسه أو غيره بوعي وإدراك لطبيعته أو طبيعة الأشياء المحيطة به، رغم أنه يسميها ويربط بينها ببراعة سواء في اللغة والنصوص أو الصورة ومقاطع الفيديو وحتى في التنبؤ والتحليل. هذا الفهم يقوم بالدرجة الأولى على تكرار (الأنماط) التي تعلمها من ملايين أو مليارات النصوص والصور وغيرها من البيانات (Data) أثناء عمليات التدريب. فهو على سبيل المثال عندما ينتج جملة مثل (ركب زيد السيارة) هو لا يدرك ما هو الركوب وما هي السيارة لكن مثل هذه العبارة تكررت آلاف المرات أو ربما عشرات آلاف المرات في البيانات التي تدرب عليها، فيقوم بتحويل هذه الكلمات إلى (متجهات Vectors). والمتجه قيمة رقمية لكل كلمة، وبضع هذه الكلمات على ما يشبه خريطة تسمى (المساحة الرياضية Mathematical Space)، بحيث يكون متجه كلمة (ركب) قريباً جداً من متجه كلمة (سيارة) نظراً للترابط المتكرر بين الكلمتين في البيانات التي تدرب عليها.
ثالثاً: آليات عمل الذكاء الاصطناعي في محاكاة المشاعر الإنسانية
كي يصل الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة القدرة على هذه المحاكاة فإنه يخضع لعمليات وطرق تدريب وتعلم معقدة تبدأ بتغذية البيانات ثم البحث عن الأنماط داخل البيانات بطرق مختلفة:
تغذية البيانات
بعد مراحل متعددة من تجهيز البيانات (التجميع، التنظيف، التنسيق...) تأتي مرحلة جديدة تسمى تغذيةالبيانات (Feeding the Data) وهي المرحلة التأسيسية في تعلم الذكاء الاصطناعي وتكوين آليه عمله. يتم في هذه المرحلة تزويد النظام بما يشبه مكتبة داخلية هي عبارة عن كميات هائلة من المعلومات قد تكون نصوصاً مكتوبة أو صور أو مقاطع صوتية أو فيديو، ثم يبدأ النظام بالتعرف والتدرب عليها بعملية تشبه عملية تعلم الإنسان من خلال التعرف على ما حوله، ولكن الفرق أن الذكاء الاصطناعي لا يفهم المعلومات كما يفهمها الإنسان، فيبدأ بالبحث عن الأنماط المتكررة داخل هذه البيانات ويقوم بتصنيفها. وتُشكل مجموع هذه البيانات ما يسمى(بقاعدة البيانات Database) أو (مجموعة البيانات Dataset) التي هي المرجع المعرفي الأساسي للذكاء الاصطناعي، إضافة إلى أدوات أخرى مثل البحث عبر شبكة الإنترنت وهو ما يطلق عليه (البحث اللحظي).
البحث عن الأنماط
الاستنتاج والحلول
رابعاً: الذكاء الاصطناعي يحاكي آثار المشاعر الإنسانية
|
|
|---|

تعليقات
إرسال تعليق